المكان: البوابة الرئيسية لمعبر رفح من الجانب المصري.
الزمان: التاسعة صباحًا.. قبل موعد فتح المعبر بأكثر من ساعتين..
المكان هادئ للغاية لا يوجد به إلا بعض مراسلي ومصوِّري الفضائيات، ولا يعكر هدوء المكان إلا أزيز الطائرات أو بعض أصوات الانفجارات هنا وهناك، قادمة من داخل قطاع غزة، يشاهد على إثرها أعمدة الدخان تتصاعد من أحد المواضع داخل القطاع.
حضر الحاج أيوب سليمان في إحدى سيارات التاكسي قادمًا من العريش، والتي توقَّفت به بدورها أمام بوابة المعبر، وأخذ يعاون سائق السيارة على إنزال حقائبه من السيارة ورصِّها على أحد الأرصفة، ومع انطلاق سيارة التاكسي في رحلة عودتها وقف الحاج سليمان مشدوهًا شاخصًا ببصره تجاه قطاع غزة، ومع صوت القذائف كان يحوقل ويكبِّر، ويقول: بإذن الله خير.
أشار الحاج أيوب سليمان بإصبعه إلى مواضع أحد أعمدة الدخان، وقال لنا هذه القذيفة أصابت موضع مطار غزة، المطار معطَّل منذ سنين، ولكنَّ الاحتلال يصرُّ على ضربه كل حين.. بيتي ليس ببعيد عن المطار.. أبنائي قالوا لي إن نوافذ البيت كلها تكسَّرت، ولكنهم- بالرغم من كل شيء- في أحسن حال.
الحاج أيوب سليمان وبالرغم من بلوغه سن السبعين قرَّر أن يعود إلى وطنه "غزة" بالرغم من القصف والحصار؛ حيث يقول: "حضرت من الإمارات العربية المتحدة قاصدًا العودة إلى قطاع غزة، فلا يُعقَل أن أترك أبنائي وأسرتي وأرضي وأهلي وسط هذه الحرب الضروس وأجلس أنا هانئًا أشاهد ما يحدث لهم أمام شاشات التلفاز".
الحاج أيوب- وحسب ما حكى لنا- يعمل في دولة الإمارات، وله أسرة صغيرة تركها خلفه في قطاع غزة؛ تتكون من بنت وزوجة وإخوة وأخوات؛ قرر أن يعود إليهم فور بدء الحرب على قطاع غزة.
وعندما سألناه: هل يُعقل أن تعود إلى القطاع وسط أصوات الضرب تلك، والمشاهد التي نراها على شاشات التلفاز؛ ردَّ قائلاً: "أصوات الضرب تلك وما شاهدته في التفاز هو السبب الرئيس لرجوعي إلى غزة؛ فأنا أفضل الموت ألف مرة بين أفراد أسرتي وعلى أرضي خير لي من البقاء هانئًا في أحد دول الخليج".
الحاج أيوب سليمان واحدٌ من عشرات الأشخاص الذين قرَّروا أن يعودوا إلى قطاع غزة فور بدء العملية الصهيونية على قطاع غزة؛ بعض العائدين هم عالقون؛ علقوا في الأراضي المصرية من وقت غلق المعبر لآخر مرة، والبعض الآخر مثل الحاج أيوب قادم من إحدى الدول فور علمه بفتح المعبر لعبور الفلسطينيين إلى داخل القطاع.
على مقربة من الحاج أيوب وقفت الحاجة أم محمد بين 3 رجال؛ عرفنا فيما بعد أنهم أقاربها من مصر، وبين أغراض أم محمد الكثيرة لاحظنا وجود غسَّالة ملابس وأطقم صيني للطعام؛ اقتربنا منها وسألنها؛ فقالت لنا: "اسمي أم محمد.. من خان يونس.. أنا هنا في مصر منذ عام تقريبًا جئت لزيارة أقارب لي في مصر وشراء جهاز ابنتي؛ التي من المفترض أن تتزوج قريبًا وأجَّلت عودتي أكثر من مرة بسبب غلق المعبر أو بسبب بعض الظروف المادية، ولكني هذه المرة قرَّرت أن أعود إلى القطاع فور بدء العملية الصهيونية على القطاع؛ لكي أكون بجوار ابنتي وأولادي التسعة وزوجي".
وعند سؤالنا أم محمد عن رأيها فيما يقوله بعض المسئولين في مصر، والذين يقولون إنهم يخشون من موجه هجرة من داخل القطاع إلى مصر فور فتح الحدود؛ ردَّت قائلة: "من يقول هذا لا يعرف من نحن؛ فنحن شعب الجبَّارين، وأنت ترى بأم عينك المعبر من الجانب المصري مليئًا بالفلسطينيين الذين يريدون العودة إلى غزة، وأتحدى أن ترى فلسطينيًّا واحدًا يقف على الجانب الفلسطيني طالبًا الدخول إلى مصر؛ فنحن شعب أقصى أمانيه الشهادة في سبيل الله على ثرى الوطن الذي همُّنا به طوال عمرنا".