سُميه كيميائى مجتهد جدا
المساهمات : 170 تاريخ التسجيل : 24/07/2008
| موضوع: مذكرات القرضاوي :مقارنة بين عهدي عبد الناصر والسادات الأربعاء نوفمبر 26, 2008 8:19 pm | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
موقع القرضاوي/21-11-2008
قد يحلو لكثير من الناس أن يسألوا: هل يختلف عهد السادات عن عهد عبد الناصر؟ وما الفرق بينهما؟
ونقول هنا: اشترك العهدان في أن كليهما من ثمرات ثورة 23 يوليو، المتحكمة في رقاب الشعب المصري، وإن اختلفا بعد ذلك في بعض الأمور المهمة.
عهد عبد الناصر عهد المصادرات والتضييق
كان عهد عبد الناصر عهد التأميم والمصادرات، وتحويل جمهور الناس إلى فقراء. فقد أمسى الناس في عهده يشكون؛ أصحاب الأملاك يشكون لأن أرضهم صودرت وأخذت منهم، والفلاحون يشكون لأن إنتاجهم يباع ـ أو يشترى منهم ـ بأرخص الأثمان.
والرأسماليون يشكون؛ لأنهم حوربوا بدعوى أنهم مستغلون، وصودرت مصانعهم وممتلكاتهم، وتسلمتها أيد عاجزة في إدارتها، متهمة في أمانتها.
والعمال يشكون، لأنهم لا يأخذون الأجر الكافي، الذي يلبون به حاجاتهم التي تكاثرت، ومطالب أولادهم التي لا تتوقف.
والتجار يشكون؛ لأن القوة الشرائية ضعفت عند الناس، ولأن الحكومة تفرض عليهم من الضرائب ما يرهقهم عسرا.
والموظفون يشكون، لأن الرواتب التي يتقاضونها لا تكفي للوفاء باحتياجاتهم، واحتياجات أسرهم، مع غلاء الأشياء باستمرار؛ لهذا يضطرون أبدا إلى الاستدانة، والدين همّ بالليل، ومذلة بالنهار!
لا تكاد تجد أحدا راضيا عن معيشته وعن عمله، فهناك سخط عام، وغضب مكنون في الصدور، ولا يستطيع الناس أن ينفسوا عنه، لا بقلم ولا بلسان، ومن حاول ذلك اختطفته كلاب الصيد، فذهبت به إلى حيث لا يحس به أحد.
إنها الشكوى العامة التي تسمعها من كل لسان، وتلمسها في كل إنسان، وتحس بأثرها وصداها في كل مكان. الشكوى من الضيق الاقتصادي، والضيق السياسي.
وفي هذا الجو الخانق يسرّي الناس عن أنفسهم بالنكت، وينفسون بها عن مكنون صدورهم، وهناك أناس ينشئون النكتة، وآخرون يروجونها. وقد أجاد المصريون فنّ النكت السياسية، التي تعتبر نوعا من الدفاع عن الذات في مقابل ما يؤخذ من الناس من حقوق.
ويقولون: إن عبد الناصر كان يسأل باستمرار عن النكت الجديدة التي تؤلف في حقه، وكان أحيانا يضحك منها، وأحيانا يتألم.
عصر السادات عصر الانفتاح بلا ضوابط كان عهد السادات انفتاحا بلا قيود ولا ضوابط ولما جاء السادات تغير الحال عما كان في عهد عبد الناصر.
فقد انتقلت مصر من المصادرات والتأميم والتضييق إلى (الانفتاح). ولكنه كان انفتاحا بلا قيود ولا ضوابط، فظهر رأسماليون جدد أو (باشوات) جدد، الذين سموهم (القطط السمان). هؤلاء الباشوات الجدد الذين أصبح لهم ثروات الباشوات القدامى، وربما أضعافها، ولكن لم يكن لهم أصالة (الباشوات) ولا أخلاقهم ولا أعرافهم. كان الباشوات لهم بيوت مفتوحة، وأيد مبسوطة، وفضائل مرعية، وتقاليد متوارثة، ينتفع من ورائهم كثيرون، وهؤلاء لأنفسهم فقط، لا ينتفع من ورائهم أحد، ولا سيما أنهم أثروا بسرعة البرق، لم يرثوا الثروة أبا عن جد، ولم يكسبوها بكد اليمين وعرق الجبين، بل بطرق مليئة بالكذب والغش والخداع، واستغلال النفوذ، واستغفال القانون، واستخدام الرشى، حتى أصبح هؤلاء (حيتانا) في بحر التجارة، تلتهم كل الأسماك الصغيرة، ولا يجرؤ أحد أن يسائلها، فضلا عن أن يعاقبها. وكل (حوت) من هؤلاء كوّن له مملكة أو إقطاعية مالية يرتع فيها كيف يشاء، بلا رقيب ولا حسيب، حتى الضرائب التي يجب دفعها للدولة، له طرائقه في التخلص منها! وكل واحد من هؤلاء مسنود بصورة وأخرى من السلطة الحاكمة، فهو قريب أو نسيب أو شريك لفلان أو فلانة، ممن يملك أن يحمي الظهر، ويشد الأزر! والمصريون يقولون: من له (ظهر) لا يضرب على بطنه!
فهذا مما عيب على عصر السادات، والدول لا تصلح بالانفتاح المطلق، ولا بالتضييق المطلق، ولكن بنهج وسط، يثير الحوافز، ويدفع إلى الإبداع، ويحرك عجلات التنمية والإنتاج الحقيقي، ولكن مع القيود التي تمنع من السرقة والنهب والاستغلال، ومع العدل الذي يمنح الفرص المتكافئة، ويعطي كل ذي حق حقه، ولا يوجد فيه أحد يعلو على القانون، أو يستغفل القانون.
وأمر آخر ظهر في عهد السادات، وهو: أنه وقع في شَرك (الديون) الأجنبية، وهذا كان أيضا من آثار الانفتاح وسلبياته، ويبدو مما كتبه صديقنا الأستاذ عادل حسين رحمه الله عن ديون مصر في ذلك العهد: أن هذا أمر خططت له جهات معينة، وشبكة جهنمية، بيتت أمرها بليل، ورسمت خطتها بإحكام، لتوقع الدولة في هذا الفخ، فتخرج من دين إلى دين، وكل دين له تبعاته مما يسمى خدمة الدَّيْن، فهو يحتاج في كل سنة إلى دفع الأقساط المطلوبة، ودفع الفوائد الربوية عليه. وهنا تعجز الميزانية، فتحتاج أن تعالج هذا العجز بدين آخر، وهكذا، فتعالج داء بداء. وقد أدرك هذا شاعرنا العربي من قديم، فقال:
إذا ما قضيت الدين بالدين لم يكن قضاء، ولكن كان غرما على غرم!
على أن الشعب في عهد السادات – ولا سيما في السنوات الأولى – أحس الناس بأن القبضة الحديدية التي كانت تمسك بخناقهم، خفت عنهم، وأن الحرية بدأت تجد طريقها قليلا قليلا إلى الناس، وأن العمل الإسلامي بدأ يتحرك، وخصوصا بين الشباب في الجامعات. وبهذا طفقت الصحوة الإسلامية تولد من رحم الحرية. ولا شيء ينعش الدعوة الإسلامية مثل جو الحرية. | |
|