أبو أنس_الشافعي نائب المدير
المساهمات : 325 تاريخ التسجيل : 05/10/2007 العمر : 37
| موضوع: المستقبل يبدو غامضًا!!....فوز أوباما.. السبت نوفمبر 08, 2008 1:45 am | |
| كتب- أحمد التلاوي:
مع الساعات الأولى لصباح الثلاثاء الخامس من نوفمبر الجاري، أعلن المجمع الانتخابي الأمريكي فوز باراك أوباما مرشح الحزب الديمقراطي بانتخابات الرئاسة الأمريكية؛ مما أنعش آمال المليارات بإنهاء فترة من أسوأ حقب التاريخ الأمريكي والعالم كله، إبان سيطرة اليمين المتطرف- بقيادة الجمهوري جورج بوش- على مقاليد الأمور بالبيت الأبيض.
السنوات الثمانية التي أمضاها بوش وفريقه على رأس الإدارة الأمريكية كانت كافيةً لخلق العديد من الأزمات والاحتقانات السياسية والأمنية لأمريكا وحلفائها، فضلاً عن أعدائها، وجاءت الأزمة الاقتصادية في ختامها لتضع الرئيس الجديد والعالم معه أمام أزمة ركود وكساد قد تكون أكبر من سابقتها أواخر عشرينيات القرن الماضي.
فوز أوباما الكاسح صحبه انتصار كبير لحزبه الديمقراطي في انتخابات الكونجرس الأمريكي (عدد مقاعد الديمقراطيين 56 مقعدًا، مقابل 44 فقط للجمهوريين) بعد الانتخابات التي جرت على 35 مقعدًا من مقاعد المجلس المائة، وبطبيعة الحال سوف يرأس نائب أوباما السيناتور جوزيف بايدن المجلس طبقًا للدستور الأمريكي، أما في مجلس النواب فإنَّ الديمقراطيين احتفظوا بأغلبيَّةٍ مريحةٍ؛ حيث فاز الديمقراطيون بـ252 مقعدًا مقابل 173 فقط للجمهوريين.
عنصرية جديدة
الفوز الكاسح للديمقراطيين له أكثر من دلالةٍ، وأولاها هي كراهية الأمريكيين الطاغية لبوش الابن وحزبه، وهي نقطة لعب عليها باراك أوباما في حملته الانتخابية؛ بإيعاز أن جون ماكين المرشح الجمهوري في الانتخابات الرئاسية سيكون امتدادًا لسياسات جورج بوش وإدارته البغيضة، وكان ذلك أحد أهم أسباب فوز أوباما والديمقراطيين في الكونجرس.
ولذلك ركَّزت حملة باراك أوباما على الولايات التي منحت أصواتها لبوش الابن في انتخابات العام 2004م بعد أن حسمت سياسات بوش الابن وإدارته الولايات الديمقراطية- التي تصوت بشكلٍ تقليديٍّ للديمقراطيين- لصالح أوباما، لذلك ذهبت حملة أوباما إلى الولايات الجمهورية لتقول لهم "لا تنتخبوا ماكين"!!.
وهذا الموقف ليس موقفًا داخليًّا أمريكيًّا فحسب؛ فالعالم كله شابه الارتياح لرحيل بوش وفريقه عن الحكم، وبخاصة وزيرة الخارجية كونداليزا رايس ونائب بوش البغيض ريتشارد تشيني؛ وذلك كان موقف حتى حلفائه الأوروبيين والحكومات التي تُدين بالولاء لواشنطن، مثل حكومة الرئيس الأفغاني حامد قرضاي.
وكان أول تعليقٍ للمفوضية الأوروبية والرئاسة الفرنسية وألمانيا وكابول والخرطوم وشعوب هذه الدول وغيرها بعد تهنئة الرئيس الأمريكي الجديد هو التعبير عن أنَّهم يتطلعون إلى تعزيز التعاون مع الولايات المتحدة في مختلف القضايا التي تصلبت فيها إدارة بوش الابن، بما في ذلك ملف المناخ والأزمة المالية العالمية.
هناك أمرٌ يجب تأكيده، وهو أنَّ فوز أوباما لا يعني أنَّ العنصرية قد اختفت من الحياة السياسية والاجتماعية الأمريكية؛ فالدكتور باسم خفاجي مدير المركز الدولي لدراسات أمريكا والغرب يقول إنَّ فوز أوباما قد يكون مؤرِّخًا لبداية مرحلة جديدة من العنصرية البغيضة في الحياة الأمريكيَّة العامة بثوبٍ جديدٍ، بل إنَّ العنصرية كانت أحد عوامل فوز أوباما؛ حيث حصل على ما يقارب من 89% من أصوات غير البيض، بينما لم يحصل منافسه الجمهوري جون ماكين إلا على 5% تقريبًا من تلك الأصوات، وهو شكل من أشكال العنصرية.
لا تغيير
يرى البعض أنَّ الفوز الذي حققه الحزب الديمقراطي في انتخابات الكونجرس قد عزَّز إمكانات أوباما لتنفيذ برنامجه الانتخابي، وتبنِّي سياسة أكثر تحرُّرًا من اعتبارات المناكفات الحزبية على مستوى مختلف القضايا الداخلية والخارجية.
فعلى الصعيد الداخلي، سيكون المجال متاحًا أمام أوباما لتمرير مشروعات القوانين الخاصة بالجانب الاقتصادي والاجتماعي من البرنامج الانتخابي الخاص به، والذي يتعلق أساسًا بأوضاع الأقليات، وسبل تحسين المستوى المعيشي للفقراء وأبناء الطبقة الوسطى، في ظل أزمة مال خانقةٍ، كما سيكون قادرًا على تنفيذ وعوده الانتخابية ذات الطابع المالي، لا سيما تلك المتعلقة بالإعفاءات الضريبية التي وعد بها، وبخاصة بالنسبة للمواطنين الذين يقل دخلهم عن 250 ألف دولار سنويًّا.
أما على المستوى الخارجي فإن البعض يرى أنَّ فوز أوباما وحزبه قد استبعد من الأجندة لأمريكية الخيار العسكري ضد إيران، كما أنه سوف يعزز من فرص الانسحاب الأمريكي من العراق في غضون 16 شهرًا من تولي أوباما الحكم رسميًّا في الولايات المتحدة في يناير 2009 القادم، بحسب ما وعد به أوباما في برنامجه الانتخابي.
ولكن السؤال الأهم الآن: هل هذا سوف يحدث؟!.. الدلائل والمؤشرات تقول إنَّ ذلك لن يكون على الصورة المثالية التي يتمناها البعض.
فسقوط المرشح الرئاسي الجمهوري في الانتخابات الأمريكية ليس معناه رفض الأمريكيين لسياسات الجمهوريين، بل لقناعة الأمريكيين بوجوب طي صفحة إدارة ألقت بـ"الحلم الأمريكي" في أتون الجحيم في الشرق الأوسط والعالم، وسلبتهم مدخراتهم، وجعلتهم يبحثون في القمامة عمَّا يقتاتون به.
أي إنَّ سقوط ماكين وقائمة مرشحي الجمهوريين في الانتخابات التشريعية يعتبر رفضًا للوجوه والشطط في السياسات، وليس رفضًا لثوابت السياسة الجمهورية الأصلية.
كما أنَّ هناك دلالة مهمة في التاريخ الأمريكي تتعلق بسوابق الحالة؛ فحرب يونيو 1967م مثلاً جرت وبدعمٍ أمريكيٍّ كاملٍ في فترةِ حكم رئيس ديمقراطي، وهو ليندون جونسون، كما أنَّ الإدارة التي اعترفت بالحكومة الصهيونية في فلسطين في العام 1948م كانت إدارة ديمقراطيين بقيادة الرئيس هاري ترومان الذي استخدم القنبلة النووية لأول وآخر مرة في التاريخ لإخضاع اليابان في الحرب العالمية الثانية.
كما أنَّ إدارة الرئيس الأمريكي الديمقراطي الأسبق بيل كلينتون كانت هي من اتخذ قرارًا للمرة الأولى باستخدام القوة المسلحة لضرب العراق في مرحلة ما بعد حرب الخليج الثانية، في عمليةٍ عُرفت باسم "ثعلب الصحراء" في شهر رمضان، في ديسمبر من العام 1998م، كما أنَّ كلينتون هو أوَّل من استخدم القوة المسلحة ضد خصوم واشنطن السياسيين عندما أمر بضرب مصنع الشفاء للأدوية في العاصمة السودانية الخرطوم، وبعض المناطق في أفغانستان بعد تفجيرات نيروبي وتنزانيا في ذات العام.
إذن.. فترات حكم الديمقراطيين في نصف القرن الأخير لم تكن فترات سلام وازدهار، بل على العكس، فإنَّ قضية فلسطين شهدت أسوأ انتكاساتها في فترات حكمٍ ديمقراطيةٍ في واشنطن، كما أنَّ الديمقراطيين في الكونجرس أيَّدوا القرار الخاص بالغزو الأمريكي للعراق في العام 2003م.
سبب آخر يدعو إلى القول بعدم التفاؤل في حدوث تغيير كبير من جانب إدارة أوباما في السياسة الأمريكية؛ فالولايات المتحدة دولة ثوابت، تعمل على تنفيذها مجموعة من المؤسسات، من بينها البنتاجون ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية، بمساعدة جهات ذات تمويل وتأثير مرتبط باللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، وتعمل على تنفيذ سياساتها وفق عقائد ثابتة تقوم على أساس مبادئ راسخة، مثل امتلاك القوة، والتأييد الذي يصل إلى حدِّ الإيمان الديني للمشروع الصهيوني في فلسطين.
وعندما حاول الرئيس الديمقراطي جون كيندي الانحراف عما ترسمه المؤسسات الأمريكية الفاعلة من سياسات ومواقف، جرى اغتياله، بل إنَّ البعض أرجع اغتياله إلى مجرد أنَّه مخالفٌ في مذهبه للانتماء الديني للدولة الأمريكية؛ فكيندي هو الرئيس الكاثوليكي الوحيد في تاريخ أمريكا البروتستانتية الأصولية.
عقبة فلسطينية
وإذا ما تتبعنا الوضع الراهن؛ ففيما يخص الملف الفلسطيني مثلاً، فأول ما قالته الصحف الصهيونية تعليقًا على فوز أوباما كان تحليل نشرته صحيفة الـ(هآرتس) يوم الأربعاء 2/11/2008م، وفيه قال المعلق السياسي عكيفا ألدار: "أوباما سيرد الجميل للجاليات اليهودية؛ فحوالي 78% من اليهود صوتوا له، وبالتالي لن يقدم على استفزاز إسرائيل".
كما أنَّ صحيفة (إسرائيل اليوم) نقلت عن عددٍ من كبار مسئولي الكيان الصهيوني أن علاقات تل أبيب بواشنطن تعتبر حاليًّا "في ذروتها"، ولا يتوقع أحد مفاجآت يمكن أن تغير هذا الوضع بعد فوز أوباما، كما أنَّ الصحيفة أوضحت أنَّ دوائر صنع القرار في الكيان الصهيوني تشعر بالارتياح أمام ما قام به أوباما مؤخرًا عندما أحاط نفسه بعددٍ من المستشارين اليهود المعروفين بتأييدهم الكبير للكيان.
ومن بينهم دينيس روس المبعوث الأمريكي السابق للشرق الأوسط، والذي يرأس حاليًّا مركز تخطيط سياسات الشعب اليهودي بالقدس المحتلة!!، كذلك اختار أوباما جوزيف بايدن ليكون نائبًا له؛ وهو من ينظر له في الكيان الصهيوني على أنه مؤيد قوي، واعتبر الإعلام الصهيوني هذه الخطوة "رسالة تطمين" من أوباما إلى الكيان الصهيوني والمنظمات اليهودية الفاعلة في الولايات المتحدة، واعترافًا بالجميل من جانب أوباما للوبي اليهودي الأمريكي.
وللسفير الصهيوني السابق في واشنطن دان أيالون تصريح لافت؛ قال فيه: إن اختيار أوباما "يمثل مصلحة "إسرائيلية"؛ لأنه سيكون من السهل عليه أنْ يشكل حلفًا إستراتيجيًّا ضد إيران".
وعلى المستوى العملي سوف تعترض أوباما العديد من المتاعب لو حاول تطبيق برنامجه فيما يخص القضية الفلسطينية؛ حيث كان قد تعهَّد خلال حملته الانتخابية بالعمل من أجل تحقيق السلام في الشرق الأوسط، فأوباما أولاً لم يقدِّم أي مقترح سياسي واضح لتحقيق حل إقامة دولة فلسطينية، كما أنَّه يتولى في وقتٍ تزداد فيه القضية تفاقمًا في ظل مواصلة سياسات اغتصاب الأراضي في الضفة الغربية المحتلة، وبناء المغتصبات الصهيونية فوقها، وفرض الحصار على قطاع غزة، مع تهديد السلوك الصهيوني في غزة التهدئة بالانهيار.
كما أنَّ الخلاف السياسي بين حركة حماس وحركة فتح سيجعل من تنفيذ أية أجندةٍ للتسوية أمرًا غير منتظرٍ على المستوى المنظور.
بغداد وكابول
في العراق عمدت إدارة الرئيس الأمريكي المنصرف جورج بوش الابن إلى تقييد من سيخلفه في البيت الأبيض؛ حيث ضغط على بغداد من أجل التوقيع على الاتفاقية الأمنية الجديدة التي لن تمكِّن أوباما من تنفيذ ما وعد به في شأن الخروج من العراق في غضون 16 شهرًا من توليه الحكم.
وفيما يخص إيران، وبالرغم من أن أوباما يبدو راغبًا في تبني سياسة الحوار لحل الملفات العالقة مع طهران، إلا أنَّه لا يمكن تجاهل التعهُّد الذي قطعه على نفسه باللجوء إلى القوة ضد إيران في حال إقدامها على مهاجمة الكيان الصهيوني أو أيٍّ من حلفاء واشنطن في المنطقة.
وفي أفغانستان تبدو المحاولات الأمريكية لجذب حركة طالبان إلى طاولة التفاوض مع حكومة قرضاي في كابول فاشلة؛ حيث رفضت طالبان ذلك تمامًا، وهو ما يهدد كل ما وعد به أوباما في حملته بتحسين الوضع في أفغانستان، ومحاولة عزل تنظيم القاعدة عن قواعده وحلفائه. ومن هنا فإنَّ الاعتبارات الموضوعية التي سوف تمنع أوباما من تنفيذ برنامجه تخرج حتى عن نطاق الشك في نواياه، فكيف سيكون الوضع.. المستقبل يبدو غامضًا!!. | |
|